جمع الناس على حرف واحد ليس فيه ترك لواجب ولا فعل لمحظور
ثم قال المصنف رحمه الله: [ولم يكن في ذلك ترك لواجب، ولا فعل لمحظور] أي أنه لم يكن فعل عثمان رضي الله تعالى عنه من اختيار حرف واحد، لا تركاً لواجب ولا فعلاً لمحظور، وإنما كان فيه من سعة، وقد يقال: إن فيه تضييقاً من سعة، أو أخذاً بشيء من الرخصة لما رخص الله تعالى فيه وترك ما عداها! فنقول: نعم، ولكن المصلحة في ذلك راجحة، والمفسدة التي دفعت أكبر وأعظم من مفسدة أن الناس قد يصعب عليهم الاجتماع على حرف واحد.
ثم يقول: [إذ كانت قراءة القرآن على سبعة أحرف جائزة لا واجبة]، وهذا من أوجه أدلة أصحاب هذا القول وهم كما قال شيخ الإسلام أكثر السلف والمتقدمين من العلماء.
وأما المتأخرون وبالذات أهل الكلام كـأبي بكر الباقلاني وغيره، فلهم رأي آخر لعله يأتي له ذكر إن شاء الله. ثم يقول: [رخصة من الله تعالى، وقد جعل الاختيار إليهم في أي حرف اختاروه]، فالله تعالى جعل الاختيار لهم، فلما اختاروا حرفاً واحداً أجمعوا عليه، دفعوا به فتنة الاختلاف والافتراق، وكتبوا المصحف بما يوافق هذا الحرف مع بقاء أوجه يحتملها الرسم، فبقي التيسير من جهة، وحصل الجمع من جهة أخرى.